فالحكم يتبع الشهادة, فإن كانت صحيحة في الظاهر والباطن نفذ الحكم في الظاهر دون الباطن فلا للمحكوم له لم حكم له بحال سواء كان مالا أو نكاحا أو طلاقا أو غير ذلك, وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد واعمة الفقهاء, وروي عن شريح القاضي أنه كان يقول للرجل: إني لا أقضي لك, وإني لأظنك ظالما ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراما, وقال أبو حنيفة: إن كان المحكوم به نكاحا أو طلاقا أو عقدا نفذ ظاهرا وباطنا, وإن كان ذلك بشهادة الزرو حتي قال: لو ادعي رجل زوجيه أجنبيه وشهد له شاهدان بالزور فحكم الحاكم له حل له وطؤها ظاهرا وباطنا وصارت زوجة له, وكذلك لو ادعت طلاقا بالزور وشهد لها شاهدان بالزور فحكم الحاكم بشهادتهما بانت من زوجها ظاهرا وباطنا وتحل لكل واحد من الشاهدين [١٢/ ١١١ ب] أن يتزوجها.
واحتج بما روي أن رجلا ادعي علي امرأة نكاحا ورفعها إلي علي رضي الله عنه فشهد له شاهدان بذلك فقضي بينها بالزوجية فقالت: والله ما تزوجني يا أمير المؤمنين فاعقد بيننا عقد حتى أحل له فقال: ((شاهداك زوجاك)) فدل علي أن النكاح قد ثبت بهما. ودليلنا ما روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار)) , وروي أنه قال:((إنما أحكم بالظاهر والله يتولي السرائر)) , وروي ((فإنما أقطع له اسطافا من النار)). ومعني قوله الحق بحجته أي أفطن لها واللحن مفتوحة الحاء: الفطنة, يقال: لحنت الشيء ألحن لحنا ولحن الرجل في كلامه يلحن لحنا بسكون الحاء.
واحتج الشافعي رضي الله عنه بأن شهادة الزور لو كانت في القتل فقضي القاضي بها لم يحل لولي الدم القصاص فيما بينه وبين الله تعالي فكذلك هنا لا يحل الفرج فيما بينه وبين الله تعالي, وأما خبرهم فلا حجة لهم فيه لأنه لم يضف إلي حكمه بل أضافه إلي الشاهدين وأراد في الظاهر ولم يستأنف النكاح لأنه يكون طعنا [١٢/ ١١٢ أ] في الشهود, فإذا تقرر هذا نقول: إذا شهد بالزور في الطلاق وحكم الحاكم به فإنها لا تبين منه في الباطن ولا تحرم عليه, ومتى قدر عليها حل له وطؤها إلا أن الشافعي قال: أكره أن يطأها فيجد لأن الحكم نفذ في الظاهر, وإن لم ينفذ في الباطن, وقال في ((القديم)): أكره أن يتبعها مخافة أن يتهم أو يصاب معها فيظن أنه علي فرج حرام فيقام عليه الحد, والنفقه ساقطه لأنها محولة بينه وبينها ويتوارثان, ولو تزوجت بآخر لم تحرم علي الأول, فإن وطئها الثاني فإن كان أحد الشاهدين فهو زان بحد ولا تحريم ولا عدة, وإن كان غيرهما تنظر فإن كان عالما بحال الشهود فهو زان فلا تحريم ولا