بذلك في ظاهر الحكم وتأويل لفظ الشافعي ما ذكره أبو إسحاق إلا أنه قال: كذبت فيما قلت يكون ذكرا لما فسق به، والتوبة لا تحصل بذلك [١٢\ ١١٩ ب] كما أن من فسق بالزنا لم تكن التوبة عنده بذكر الزنا الذي فسق به.
ثم قال الشافعي رضي الله عنه: فإن كان عدلا قبلت شهادته وإلا فحتى يحسن حاله، قال أصحابنا: أراد به أن القاذف إذا كان عدلا قبل قذفه وشهد علي رجل بالزنا قلم تتم الشهادة فإن هذا إذا قال القذف باطل وأنا لا أعود فيه قبلت شهادته في الحال. ألا تري أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة:((تب تقبل شهادتك))، وإن لم يكن عدلا وكان فاسقا من غير جهة القذف أو قذفه صريحا علي طريق الشتم لا تقبل شهادته حتي تختبر حاله مدة، وقد نص علي هذا في كتاب ((الشهادات)) من ((الأم)) والدليل عليه قوله تعالي {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وأَصْلَحُوا}[النور: الاية ٥] فاعتبر صلاح العمل في القذف الصريح بعد التوبة.
ومن أصحابنا من قال: إذا قذفه صريحا علي طريق الشتم ثم تاب هل يعتبر صلاح العمل؟ قولان: أحدهما: لا يعتبر وبه قال أحمد لما ذكرنا من خبر عمر رضي الله عنه ولأن هذه المعصية بالقول فكفي في التوبة عنها القول كالردة، ولأنه يحتمل صدقه بخلاف الزاني والشارب، والثاني: ما ذكرنا وإن كان بطريق الشهادة يحد لنقصان العدد يكفي العدد ولا يحتاج إلي إصلاح العمل قولا واحدا لقول عمر رضي الله عنه لأبي بكرة ((تب أقبل شهادتك))، ولأن فسق هذا ثبت من طريق الاجتهاد [١٢\ ١٢٠ أ] بخلاف فسق القاذف علي طريق النسب.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: نص الشافعي رضي الله عنه أنه تقبل شهادته عقيب التوبة بكل حال لأنها كبيرة ارتكبها وتاب عنها فاستغنيا عن استبراء حاله، وقال في موضع: لا تقبل عقيب التوبة، فقيل قولان وقيل: هو علي حالين، فالذي قال تقبل ولا تستبرأ، وإن لم يكذب نفسه وأظهر الندامة علي قوله وكان عدلا من قبل لا يحتاج إلي زمان الاستبراء والصحيح في التحقيق ما ذكرنا أولا.
فرع
إذا ردت الشهادة للقذف بلفظ الشهادة ولم يتب لا يرد خبره، وإن ردت شهادته إذا كان عدلا من قبل لأن أبا بكرة ردوا شهادته، ولم يردوا خبره، لأن السلف كانوا يروون عنه ولأن هذا التفسيق بالتأويل فكان حكمه دون التفسيق بالمعاصي المجمع عليها، ولأن أمر الإخبار أخف وأسهل ولهذا يقبل من واحد ويقبل من عبد، وفي قذف النسب لا يقبل الخبر ما لم يتب لأن التفسيق بقذف النسب نص وقذف الشهادة اجتهاد.