أحدها: أن يشهدا بحياته عند قطعه، أو بمشاهده وحركته أو بختلاجه بعد قطعه، فهذا كله شهادة بالحياة، لأنه لا يختلج بعد القطع إلا حي. فأما الشهادة بسيلان دمه عند قطعه فلا تكون شهادة بحياته وإن كان دم الميت جامدًا، لأن جمود دمه بعد فتور حرارته، وقد يحتمل أن يكون قد مات لوقته قبل فتور حرارته وجمود دمه فلذلك لم تثبت فيه الحياة. والثانية: أن يشهدا موته عند قطعه، فيصير شاهدين بنفي الحياة، وإثبات الموت فلا تسمع شهادة غيرهما بحياته، وينتفي عنه حكم القتل، ويعزر أدبًا على قطع ميت لانتهاك حرمته.
والثالثة: أن يجهلا حاله عند قطعه، فلا يشهدا بحياته ولا موته، فإن تصادق المدعي والدعي عليه على حياة أو موت عمل على تصادقهما، وإن تنازعا فقال المدعي كان حيًا، وقال المدعى عليه: كان ميتًا كلف كل واحد منهما إقامة البينة على ما ادعاه، فإن أقام المدعي بينة بحياته عند قطعه حكم بها، وأجرى على المدعى عليه حكم القتل، وإن أقام المدعى عليه بينة بموته عند قطعة حكم بها وبرئ المدعى عليه من القتل.
وإن أقام المدعي بينة بالحياة، وأقام المدعى عليه بينة الموت ففيه وجهان:
أحدهما: يحكم ببينة الموت، لأنها أزيد علمًا.
والثاني: أنهما متعارضان؛ لأن واحدة منهما تقطع بإثبات ما نفته الأخرى ولم يكن في إحداهما مع القطع بالشهادة زيادة علم، فأما إن أقام على الدعوى وعدما البينة، ففيه قولان:
أحدهما: وهو الذي نقله المزني هاهنا ونص عليه الشافعي في أكثر كتبه وبه قال أبو حنيفة إن القول قول الجاني مع يمينه إنه كان ميتًا عند قطعه وهو بريء من قتله إلي حلف لأن الأصل براءة ذمته فصار كما لو ادعى الولي أنه مات من سراية جراحته وادعى أنه مات من غير جراحته، كان القول قول الجاني دون الولي اعتبارًا ببراءة ذمته.
والثاني: وتفرد الربيع بنقله.
وقال بعد رواية الأول وفيه قول آخر: أن القول قول الولي مع يمينه أنه كان حيًا عند قطعه ويؤخذ القاطع بحكم قطعه لأنه الأصل بقاء الحياة حتى يعلم زوالها عند القطع، واليقين، والشك إذا تعارضا سقط حكم الشك باليقين، كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقن الطهارة وشك في الحدث والفرق بين دعوى الموت ودعوى السراية أن الولي مستأنف لدعوى السراية فلم يقبل قوله فيها، والجانب هاهنا مستأنف لدعوى الموت، فلم يقبل قوله فيها، والله أعلم بالصواب.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو شهد أحد الورثة أن أحدهم عفا القود والمال