فلا يتعرى عن ثيابه في بلد يلبس فيه أهل الصيانة ثيابهم. ولا ينزع سراويله في بلد يلبس في أهل الصيانة سراويلهم، ولا كشف رأسه في بلد يغطي فيه أهل الصيانة فيه رؤوسهم.
وإن كان في بلد لا يجافي في أهل الصيانة ذلك فيه، كان عفوًا، كالحجاز والبحر الذي يقتصر أهله فيه على لبس المئزر.
وأما المأكل فلا يأكل على قوارع الطرق ولا في مشبه، ولا يخرج عن العرف في مضغه، ولا يعاني بكثرة أكله.
وأما التصرف فلا يباشر ابتياع مأكوله ومشروبه وحمله بنفسه في بلد يتجافاه أهل الصيانة إلي نظائر هذا مما فيه بذلة وترك تصون.
وفي اعتبار هذا الضرب من المروءة في شروط العدالة أربعة أوجه:
أحدها: أنه غير معتبر فيها لإباحته. قد باع رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فيمن يزيد واشترى سراويل بأربعة دراهم. وقال: "يا وزان زن وأرجح". وقال الروي: فأخذته لأحمله. فقال: "دعه فصاحب المتاع أحق بحمله".
وقيل لعائشة: ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله إذا خلا؟ قالت: كان يخصف النعل ويرقع الدلو. وكان أبو بكر رضي الله عنه يسلك الطريق في خلافته وهو متخلل بعباءة ربطها بشوكة.
وكان عمر رضي الله عنه يلبس المرقعة، ويهنأ بعيره بيده ويقوده.
وقد اشترى علي رضي الله عنه قميصًا وأتى تجارًا فوضع كمه وقال: اقطع ما فضل عن الأصابع، فقطعه بفأس فقيل له: لو كففته؟ قال: دعه يتسلل مع الزمان.
وعمل بالأجر في حائط وأجر نفسه من يهودية ليسقي كل دابة بتمرة.
وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجاز، لا يجوز أن يكون قادحًا في العدالة، لأن المروءة مشتقة من المرء وهو الإنسان فصارت الإشارة بها إلي الإنسانية، فانتفت العدالة عن من لا إنسانية فيه، ولأن المروءة من دواعي الحياة.
والثاني: أن هذا الضرب من المروءة شرط معتبر في العدالة، ولأن المروءة مشتقة من المروءة وهو الإنسان، فصارت الإشارة بها للإنسانية، فانتفت العدالة عن من لا إنسانية فيه، ولأن حفظ المروءة من دواعي الحياء. وإن كان لا يفسق به، لأن العدالة في الشهادة للفضيلة المختصة بها، وهي تالية لفضيلة النبوة. قال الله تعالى: {فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء ٤١].