والثاني: أن لا يسمع إقراره عند غير الحاكم. إما عند الشاهد أو عند غير الشاهد، فقد اختلف أصحابنا في صفة التحمل للشهادة، بهذا الإقرار، هل يفتقر إلى استرعاء المقر؟ والاسترعاء أن يقول: أشهد على أن لفلان علي كذا فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي وطائفة، أن التحمل للشهادة لا يصح إلا بالاسترعاء بها، فإن سمع الشاهد الإقرار من غير استرعاء لم يصح تحمله، ولم يجز أن يشهد به، لاحتمال أن يرد بذلك: علي ألف درهم أقرضك إياها، أو أهبها لك، فلا يلزمه ما أقر به، فلذلك لم يصح التحمل.
والثاني: وهو الظاهر من مذهب الشافعي أن تحمل الإقرار صحيح وإن تجرد عن الاسترعاء، والشهادة به جائزة لتعلق الحكم بالظاهر دون السرائر. ويجوز على هذا الوجه إذا اختبأ الشاهد حتى سمع إقرار المقر: أن لزيد علي ألفاً والمقر غير عالم بحضور الشاهد وسماعه، أن يحتمل هذه الشهادة ويشهد بها على المقر، إلا أن يكون في المقر غفلة تتم بها الحيلة عليه والخداع، فلا يصح تحمل الشهادة من المختبئ حتى يراه المقر أو يعلم به.
وسوى أبو حنيفة بين ذي الغفلة وغيره في صحة تحمل المختبئ.
والفرق بينهما أولى لتمام الحيلة على الغافل وانتفائها عن الضابط فهذان الوجهان في وجوب الاسترعاء.
والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن يعتبر حال الإقرار، إن اقتران به قول أو أمارة تدل على الوجوب استغنى تحمله على الاسترعاء، والقول مثل أن يقول: " له علي ألف درهم بحق واجب".
والأمارة أن يحضر المقر عند الشاهد ليشهد على نفسه فيعلم شاهد الحال أنه إقرار بواجب.
وإن تجرد الإقرار عما يدل على الوجوب من قول أو أمارة، افتقر إلى الاسترعاء ولم يصح تحمل الشهادة على إطلاقه.
فإن أراد الشاهد أن يشهد بهذا الإقرار عند الحاكم، لزمه أن يذكر في شهادته صفة الإقرار، فإن كان بالاسترعاء قال في شهادته: أشهد أنه أقر عندي وأشهدني على نفسه، فإن لم يقل: أشهد، وقال: أقر عندي، وأشهدني على نفسه كان إخباراً ولم تكن شهادة.
فلم يجز للحاكم أن يحكم بها حتى يقول: أشهد أنه أقر عندي وأشهدني على نفسه؛ لأن الحكم يكون بالشهادة دون الخبر.
وإن كان الشاهد قد حضر المقر وأقر عنده من غير استرعاء قال في شهادته: "أشهد إنه أقر عندي بكذا"، ولا يقول: "وأشهدني على نفسه"، ليجتهد الحاكم رأيه في صحة هذا التحمل وفساده.
وإن كان الشاهد قد سمع إقرار المقر من غير حضور عنده قال في شهادته: "أشهد