إني سمعته يقر بكذا " ولا يقول: أقر "عندي" ليكون الحاكم هو المجتهد دون الشاهد.
فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة هذا التحمل وفساده نظر:
فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة الإقرار وفساده لم يجز، وكان الحاكم أحق بهذا الاجتهاد.
وإن أراد أن يجتهد رأيه في لزوم الأداء وسقوطه عنه ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز لاختصاصه بوجوب الأداء.
والثاني: لا يجوز، لأن في الإقرار حقاً لغيره.
فصل
فإذا تقرر ما وصفنا من شاهد الأصل في صحة تحمله الشهادة، انتقل الكلام إلى شاهد الفرع في صحة تحمله وصحة أدائه.
فأما تحمله فمعتبر في شاهد الأصل وله فيتحمل شاهد الفرع عنه ثلاثة أحوال:
إحداها: أن يذكر شاهد الأصل السبب الموجب للحق بلفظ الشهادة، فيقول: أشهد أن لفلان على فلان ألفاً من ثمن أو غصب أو صداق، فإذا سمعه شاهد الفرع صح تحمله للشهادة عنه وإن لم يسترعه إياها، وفيه لبعض أصحابنا البصريين وجه آخر أنه لا يصح تحمله إلا بالاسترعاء لما فيه من الاحتمال بالوعد، وليس بصحيح؛ لأن ذكر السبب تعيين من الاحتمال.
والثانية: أن يشهد شاهد الأصل بالشهادة عند الحاكم، فإن سمعه شاهد الفرع صح تحمله لها وإن لم يسترعه إياها، لأن الحاكم ملزم، فلم تكن الشهادة عنده إلا بما لزم
والثالثة: أن يقول شاهد الأصل: أشهد أن لفلان على فلان ألفاً: فإذا سمعه شاهد الفرع لم يصح تحمله إلا بالاسترعاء وجهاً واحداً، وإن كان في المقر على وجهين:
والفرق بين المقر والشاهد من وجهين:
أحدهما: أن الحق في الشاهد لازم لغير الشاهد، فوجب أن يغلظ حكمه بالاسترعاء ليتحقق صحة الإلزام بنفس الاحتمال.
والحق في الإقرار لازم للمقر لا يتعداه فيتحقق حكمه في صحة الإلزام، لأنه لو كان فيه احتمال لما استظهر به لنفسه.
والثاني: أن الإقرار خبر وشروط الشهادة أغلط من شروط الخبر لصحة إخبار من لا يصح شهادته من العبيد والنساء، ولذلك اعتبر الاسترعاء في الشهادة وإن لم يعتبر في الإقرار، ولذلك قبل ورجوع الشاهد ولم يقبل رجوع المقر.
وإذا كان الاسترعاء معتبراً في الشهادة معتبراً في الشهادة، فالاسترعاء أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع:
"أشهد أن لفلان على فلان ألفاً فأشهد على شهادتي وعن شهادتي".