أحدهما: أنه أبطل دعواهما في النصف الحاصل لمدعي الكل لأنه قد خلص له من غير تنازع فيه، وأقرع بينهما في النصف الآخر ولم تبطل دعواهما فيه.
والثاني: أنه أبطل دعواهما إذا سقط بينتهما، ويقرع بينهما إن لم يسقطها، ويكون معنى الكلام، أبطل دعواهما وأقرع بينهما، لاختلاف قوله في تعارضهما.
فصل
وإذا كانت الدار في يدي رجل فادعاها طالب، وأقام البينة على أنها ملك أجرها من صاحب اليد، أو أودعها، وأقام صاحب ليد بينة أنها ملكه حكمنا ببينة الخارج المدعي على بينة الداخل صاحب اليد، لأن بينة الخارج لما شهدت له، بأنه أجره إياها أو أودعها صارت اليد له، فصار الداخل خارجاً، والخارج داخلاً، ولو تداعباها رجلان، وهي في يد ثالث، فأقام أحدهما البينة أنها له أجره إياها، وأقام الآخر أنها له أودعه إياها صارت اليد لهما بما شهد لأحدهما أنه مؤجر وللآخر أنه مودع، فصار لكل واحد منهما بينة داخل في النصف المضاف إلى يده، وبينة خارج في النصف المضاف، إلى يد صاحبه وقد تعارضت فيه البينتان فإذا أسقطتا صارت الدار بينهما يداً إن حلفا ونكلا وإن أقرع بينهما، جعلت لمن قرع منهما، وإن استعملنا في القسمة قسمت بينهما ملكاً.
فصل
فإذا كانت الدار في يد يدعيها ملكاً فنازعه فيها رجلان وأقام أحدهما البينة أنها ملكه منذ سنة وأقام الآخر البينة على هذا الأول أنه ابتاعها منه منذ خمس سنين فلا تمنع بينة الأول أنها له منذ سنة أن تكون له ملكاً قبل ذلك بخمس سنين، فلذلك سمعت بينة الثاني على الأول ووجب بها انتزاعها من صاحب اليد، ثم ينظر في بينة المدعي الثاني أنه ابتاعها، من المدعي الأول فإن شهدت بأنه باعها وكان مالكاً لها، حكم بها للثاني ملكاً، فإن شهدت أنه باعها وكانت في يده، حكم بها للثاني ابتياعها فجرى عليه حكم الملك لأن الظاهر من اليد أنها لمالك، فتسلم الدار في هاتين الحالتين إلى المدعي الثاني وترفع يد المدعي الأول.
ووافق أبو حنيفة عليهما، وإن شهدت بينة الثاني، أنه ابتاعها من الأول ولم يشهدوا أنها كانت ملكاً للأول ولا في يده، قال أبو حنيفة: لا تنتزع من الأول، ولا تسلم إلى الثاني لأن البيع متردد، بين أن يكون قد باع ما في ملكه، أو ما في يده فيصح وبين أن يبيع ما ليس في ملكه ولا يده فيبطل.
فلم يجز أن يحكم بصحة البيع، ورفع يد الأول بمجرد متردد بين الصحة والفساد، وعند الشافعي أنه يد الأول وترفع وتسلم الدار إلى الثاني ابتياعاً من الأول لآن البيع في حقه صحيح أنه ملك، ولا يقضي بها ملكه الثاني، وإن قضى به بابتياعها من الأول فكان له فيها يد إن نوزع فيها، ترجح بيد لا بدفع بينة المنازع.