من الإمام أو من آخر المسجد؟ فيه وجهان؛ أحدهما: يعتبر من موقف الإمام إن لم يكن خلفه أحد في المسجد أو من آخر [٣٦٠ ب/٢] الصفوف إن كانت خلفه صفوف، والثاني: وهو المذهب أنه من آخر المسجد في صحراء موات لا مالك له أو كان ملكاً لرجل واحد فإن كانت أملاكاً مختلفة ففيه وجهان؛ أحدهما: يجوز ولا اعتبار باختلاف الليل وإنما الاعتبار باختلاف الأبنية ولا بناء ههنا. والثاني: لا يجوز أن يكون الإمام في ملك والمأموم في ملك آخر وهذا كان اختيار القفال رحمه الله ثم رجع عنه وهذا الوجه الثاني لا وجه له عندي. المسألة الثانية، والثالثة: أن يكون بينه وبينه حائل فإن كان الحائل من غير المسجد لم يختلف أصحابنا فيه قال أبو إسحاق: حائط المسجد ليس بحائل لأنه بني لمصلحة المسجد كالسواري في الوسط وقال عامة وهو المذهب الصحيح وهو حائل يمنع صحة الصلاة لأنه بني الفصل بينه وبين غيره بخلاف غيره ولأن عائشة رضي الله عنها قالت لنسوة صلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام فإن كان دونه في حجاب لم يكن بين منزلها والمسجد إلا سور المسجل لأن باب منزلها كان ينفذ إليه وقيل هذه الحكاية لا تصح [٣٦١ أ/٢] عن أبي إسحاق ونص في الشرح على خلافه وإن كان الحائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة مثل المشبك فعلى قول أبي إسحاق هذا أولى أن لا يكون حائلاً وعلى هذا المذهب في هذا وجهان؛ أحدهما: لا يكون حائلاً لأنه لا يمنع النظر إلى من في المسجد فهو كالباب المفتوح. والثاني: يكون حائلاً لأنه يمتنع للاستطراق بخلاف الباب المفتوح وهذا أقرب.
فرع
لو كان باب المسجد مفتوحاً والناس في المسجد فوقف رجل بحذاء الباب يصلي بصلاة الإمام فإن صلاته صحيحة وصلاة من على يمينه ويساره وإن اتصل الصف وطال وكذلك صلاة من خلفهم وإن اتصلت الصفوف لأنه إذا كان في الصف من يرى بعض المأمومين أو من بين يديه صحت صلاة الكل وأما صلاة من وقف قدامه على يمين المسجد أو يساره ولم يقف أحد منهم بحذاء الباب هل تصح صلاته؟ المذهب أنه لا تصح وعلى قول أبي إسحاق تصح وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله مثل قول أبي إسحاق وهذا غلط كما ذكرنا ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا صلاة لجار المسجد إلا [٣٦١ ب/٢] في المسجد" وأراد بصلاة الإمام في المسجد ولم يرد به إذا لم يكن حائل يدل على أنه أراد إذا كان حائل وحكي الشافعي رحمه الله عن عطاء رحمه الله أنه قال يصلي بصلاة الإمام من علم صلاته ولم يراع القرب وهذا لا يصح لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة:٩] فظاهره أن السعي واجب وإن علم بصلاة الإمام وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لو صليتم في بيوتكم لضللتم" ومذهب عطاء جوازها في بيته وحكي عن مالك رحمه الله أنه قال: يصلي بصلاة الإمام من علم صلاته إلا في الجمعة. وهذا غلط أيضاً لما سبق من الدليل ويقيس على الجمعة.