ولأن الاشتقاق يدل عليه. وذاك أنه لما اسم استدار وعلا، وكذكل قالوا: كعب ثدي الجارية إذا استدار وعلا، ويقال: جارية كاعب إذا نهد ثديها. وسميت الكعبة كعبة لا ستدارتها، وهذا فيما ذكره الشافعي.
فإن قيل في البهائم في كل رجل كعب واحد فكذلك في الآدمي. قلنا: خلقة الآدمي هي خلاف خلقه البهيمة؛ لأن كعب البهيمة فوق ساقها وكعب الآدمي هو دون الساق.
مسألة: قال: "وَيُخَلَّلُ بَيْنَ أَصَابِعْهُمَا".
وهذا كما قال. إذا علم وصول الماء إلى أصابع الرجلين يستحب له التخليل، ولو كانت أصابعه متناضة متلاصقة يجب إيصال الماء إلى ما بينها، فإن التصق بعضها ببعض لا يجب الجرح والخرق. وقال الشافعي:"ليس عليه أن يفتق ما كان مرتوقًا" ولا يسن هذا بحال والأصل فيه خبر لقيط بن صبرة.
قال أصحابنا: ويبدأ في تخليل أصابعه باليمني من خنصره إلى إبهامه [٦٩ أ/ ١] ثم اليسرى من إبهماه إلى خنصره ليكون تخليلها نسقًا على الولاء. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كان يخلل بخنصره اليسرى من أسفل الرجل".
ثم قال الشافعي:"وَذَلِكَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ إِنْ شَاءَ الله". وإنما استثني لأن الكمال إنما يكون بالإتيان بجميع ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل بعض السنة غربت عنه فلم يستحب قطع القول.
وقيل: إنما استثني لأنه لم يذكر إدخال الماء في العينين في الجديد، وذكره في القديم على ما ذكرناه، فخشي ذاك. وقيل: هذا يعود إلى ما ندب إلى فعله في المستقبل، وتقديره: فتوضأ كذلك إن شاء الله.
فإذا تقرر هذا ذكر الشافعي بعد مسح الأذنين غسل الرجلين ولم يذكر مسح العنق، وهذا يدل على أن مسح العنق غير ثابت عنه. وقال أصحابنا بخراسان: هو سنة بماء جديد وإن لم يرد فيه خبره. وذكره ابن أبي أحمد في "المفتاح". وحكي عن أبي حنيفة أنه قال:"يمسحه مع الرأس". قلت: رأيته في تصنيف الشيخ أبى الحسن أحمد بن فارس بن زكريا "بإسناده عن فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ ومسح يديه على عنقه وقي الغل يوم القيامة". وهذا صحيح إن شاء الله، وقيل: إنما لم يذكر [٦٩ ب/ ١] الشافعي مسح العنق لأنه غير مقصود بالمسح، بل هو تابع للقفا في المسح، والقفا تابع للرأس لتطويل الغرة.
مسألة: قال: "وَأحب أن يمر الماء على ما سقط من اللحية عن الوجه".