ثم كانت ميسلون، فاعتدى الغاصب الدخيل على رب البيت واستباح الحِمى، وأتى على الديار فجعلها حصيداً كأن لم تَغْنَ بالأمس. وعادت دمشق من ميسلون فإذا كل شيء قد انهار، وإذا الدار خواء كأنما لم يُشَدْ فيها مُلك ولم تَقُم فيها دولة ولم يكن لها استقلال. فدفنَت دمشقُ بيدها أبناءَها وأقسمت على قبورهم القسَم الأحمر، وما بكت ولا شكت. وصبرَت دمشق.
ثم كانت الثورة، فهبّت دمشق تعلن في أبنائها بأنْ قد حان موعد الامتحان الأول فأروني ماذا حفظتم من الدرس، وكان الامتحان في دقّ الباب:
فدقّه الأبطال من أبناء دمشق وغيرها من مدن الشام دقاً وصلت أصداؤه إلى جوانب «السّين» في باريس، فثار الناس فزعين يقولون: ماذا؟ قيل: بردى يشتعل! قالوا: أطفئوه بالنار! فكانت المعركة بين الماء والنار، بين الدم والحديد، فردّ الشعبُ الأعزل جيشَ فرنسا القوي المسلّح، فوقف الجيش سنتين دون نهر تورا لا يجتازه وما عرضه بأكثر من ستة أمتار. ثم انتهى الامتحان، فدفنَت الشام أبناءها، وقامت دمشق المفجوعة إلى أنقاض دمشق المحرَقة المهدّمة فجدّدَت القسم. وكانت ميسلون وحدها فصارتا اثنتين: ميسلون والغوطة. وصبرت دمشق.