أنا أغبط (ولا أحسد، فما الحسد من شأني)، أغبط الذين يرجعون في ذكرياتهم إلى مذكّرات مكتوبة (كما يفعل الأستاذ أكرم زعيتر، ويشير إلى ذلك في بعض مقالاته) أو إلى صحف مطبوعة (كما يفعل الأستاذ نصوح بابيل، إذ يرجع إلى جريدته ومجموعتها تحت يده)، وأتمنى لو كنت مثلهم ولم أُضطرّ إلى الاعتماد على الذاكرة وحدها. ولو رجعتُ إليها أيام قوّتها وحِدّتها لأسعفتني وما خذلتني، ولكن جئتها بعدما شابت وشاخت وكلّت وعجزت، كما كَلّ صاحبُها وعجز:
جاءَ الزّمانَ بنوهُ في شَبيبتِهِ ... فَسَرَّهُمْ وأتيناهُ على الكِبَرِ
من أجل هذا أفرح إن وجدت بطاقة أو كتاباً رسمياً أو قيداً لحادثة يفتح عليّ باباً للذكريات التي أُغلقت في وجهي أبوابُها وانقطعت في يدي أسبابها، وليس حولي مَن يُعينني عليها ويذكّرني بها. وقد وجدت اليوم كتابين كنت ربطتهما معاً، أنقلهما بما فيهما من عبارات، لا تؤاخذوني إن كان فيها ما يُشبِه المدح لي.