أما محمد كرد علي فهو أستاذنا وأستاذ كل من خطّ في الشام بقلم في مطلع هذا القرن الميلادي؛ ذلك أنه أول من رسم لهم الطريق وأول من عبّد لهم الجادّة. وكان مؤرّخاً باحثاً، وإن لم يكن قد بلغ الغاية في التحقيق وتمحيص النصوص، وكان كاتباً اجتماعياً، وكان له أسلوب في الترسّل، قلت في وصفه لما قرّظت كتابه «أمراء البيان» إني كنت أتخطى عبارة عبد الحميد الكاتب لأستمتع بعبارة محمد كرد علي.
ولا تستكثروا هذا القول؛ فإن عبد الحميد في قِدم عهده ورسوخ قدمه وسَبق زمانه إمام الكتّاب، لا أماري في ذلك، ولكن إذا تُرك فضل السَّبْق ومرجّح الزمن ووُضعَت العبارتان في الميزان رجحت عبارة الكاتب اللاحق على الإمام السابق.
وهذا شيء لا يثبت بالدليل المنطقي ولا يحقّق بالتجرِبة المخبرية، ولكن يُدرَك بالذوق، فمن كان من أهل النقد وكان يتذوّق طعوم الأساليب ويستطيع تصنيف الكلام شهد لما قلت بأنه الحقّ. ولقد صحبت الأستاذ كرد علي أمداً طويلاً وعندي من