لمّا أخذت الجريدة يوم الإثنين الماضي أسرعت إلى مقالتك كما أسرع كل مرة، لأني أجد لها طعماً لا أكاد أجده في كثير من المذكّرات التي تنشرها الصحف والمجلات فتكون كالدليل الذي يُري السيّاحَ شوارعَ البلد ويدلّهم على عماراتها وحدائقها ومطاعمها ومشاربها ولكن لا يلج بهم العمارات ليروها من داخلها ولا المطاعم ليأكلوا مما فيها. وأنت تُدخِلهم إليها وتُذيقهم طيباتها.
إن ما تكتبه هو من حديث النفس، يرى فيه القارئُ نفسَه فيحسّ كأنه معك وأنه صديق لك. وكذلك يصنع الأديب؛ الناس يعيشون وحدهم والأديب يُشرِك الناس كلهم معه، إن سُرّ شاركهم سروره وإن تألّم تمنّى أن يشاركوه ألمه.
أخذتُ الجريدة ففوجئت بما أملاه كرم نفسك ووفاؤك لأصدقائك من ذكري وذكر بلدي. لقد سرّني ما كتبت، ولكنه خضّ الكوب فأظهر ما رسب في قرارته: