لما كنت أعلّم في المدارس الابتدائية الأهلية في دمشق كانوا يخرجون مع التلاميذ في جولات في قرى الغوطة وفي وادي بردى الذي يمتدّ إلى الزبداني مسافة خمسين كيلاً، فخرجت معهم مرة، ورجعنا مساء وقد أظلم الليل، وكنا نمشي حيال سكة الحديد (من وراء وزارة الإعلام وساحة الأمويين اليوم)، حيث يجري نهر باناس تحت الأرض لا يظهر إلاّ من فتحات تُخفيها الحشائش، والتلاميذ يُنشِدون الأناشيد ويهزجون ويصيحون. فلما وصلنا إلى المدرسة تنبّه بعضهم إلى أن تلميذاً من التلاميذ قد فُقد، وكان ابن الشيخ ياسين الجويجاتي، وهو أحد القرّاء المجوّدين أصحاب الخلق والدين. فانتشروا يفتّشون عنه واستعانوا بمن حضر من أولياء التلاميذ وبذوي النجدة من الناس، فتبيّن بعد ساعات طِوال ثِقال أنه سقط في إحدى هذه الفتحات، وتحققنا أنه مات. وحاروا كيف يبلّغون النبأ أباه، فاقترح الشيخ عبد الرحمن الخطيب أن يخبروا الشيخ بدر الدين، وكان الأب يحضر درسه. فتكلّم الشيخ في الصبر وسرد ما ورد فيمن فقد الولد، حتى عرف الشيخ ياسين، فاسترجع وصبر. وعوضه الله أولاداً نبغوا وجمع