عرفتم أنني صحوت على الدنيا في بداية المدرسة الابتدائية حين انطلق شيطان الحرب يثير أبالسة الجحيم ليُفسِدوا الأرض ومَن عليها، فحملوا حمم جهنّم فوضعوها في أيدي أبناء آدم ليقتل بعضهم بعضاً، فدمّروا المدن وقتلوا الناس، وفعلوا ما تعجز عنه الشياطين.
ثم خفق ملَك السلام خفقة بجناحَيه فولّت الأبالسة تختبئ في أودية الجحيم، وتيقّظ الناس مثلما يستيقظ الإنسان من الحلم المرعب. ونظروا، فإذا البساتين أكوام من الحطب، وإذا المصانع تلال من التراب، وإذا المدن العامرة مقابر موحشة؛ فهبّوا يدفنون مَن مات، ويبنون ما اندثر، ويغرسون الأشجار. فلما أخذت الأرض زخرفها وازّينَت، وجاء أهلوها ليقطفوا الثمر ويجمعوا الزهر، وشبّ الأطفال واكتهل الرجال، أفْلتَ الشيطان مرّة ثانية من سجنه وقال للشباب: هلمّوا إلى الموت، وللأطفال والأمهات: ذوقوا اليُتْم والثكل، وقال لصرح الحضارة: انهدم، وقال للحقّ: انهزم. وكان اسم الشيطان هذه المرّة هتلر.