هل ترونني أخطأت الصواب حين قطعت سلسلة ذكرياتي وأخذت أنشر مقاطع تدلّ على الأسلوب الذي كنت أكتب به، وعلى اختلاف الأساليب باختلاف المقامات، وتفيد بعرضها القُرّاء وتُريهم صُوَراً للحياة التي كنّا نحياها قبل ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة؟
ليضع هذه الصورة مَن لم يدركها إلى جانب صور الحياة التي يعيشها، ثم يوازن بينهما فيرى خيرهما وشرّهما. لقد كنّا (في الشام خاصة وفي أكثر البلاد عامّة) لا نعيش لأنفسنا بل لنا ولإخواننا، لإخواننا في الدين وفي العروبة، فإن ألمّ بمصر خَطْب أو نزلَت بالعراق نازلة أو أصاب المغرب مصاب أحسّت دمشق ألمه، فواست أو سلّت أو غضبَت فثارت واحتجّت. أمّا فلسطين فكانت قضيّتها قضيّتنا، وكنّا نحن أهلها كما كان أهلوها أهلينا، وما الذي يُبعد شمالي الشام عن جنوبيه وكلُّه عند العرب، وفي الواقع، وعلى مدى التاريخ الطويل، كلّه بلد واحد فيه شعب واحد؟
كانت هذه مشاعر كلّ قطر عربي، بل كلّ صقع مسلم، ولكن