كان تدوين هذه «الذكريات» ونَشْرُها حُلماً حمله علي الطنطاوي في قلبه وأملاً ظلّ يراوده سنين طِوالاً، حتى قال -في بعض سطور مقدمته لكتاب «تعريف عام» - إنه يرضى أن يتنازل عن كل ما كتبه ويوفق الله إلى إكمال ذلك الكتاب (تعريف عام) وكتاب الذكريات. وتأخّرَ الأمر، وأجّل جدي الشروعَ فيه ثم ما زال يؤجّل، ومرت السنون بإثر السنين، حتى كان يومٌ من أيام سنة ١٩٨١ جاءه فيه زهير الأيوبي، يسعى إلى إقناعه بنشر ذكرياته في مجلة «المسلمون» التي كان قد ابتدأ صدورها في ذلك الحين، فما زال يُلحّ عليه حتى وافق على نشرها فيها.
لقد استجاب لهذا الإلحاح وهو لا يتصور ما هو مُقْدم عليه، وأكاد أجزم أنه لو كان يعلم لأحجم وما أقدم، فقد هوّنوا عليه الأمر في البداية حتى راح يتحدث وهم يكتبون ما يقول، وظهرت في مجلة «المسلمون» حلقتان كذلك، ولكنه ما لبث أن استُثيرت همّته ودَبَّت فيه الحماسة فتحول إلى كتابة الحلقات بنفسه، ومضى فيها تجرّ كلُّ حلقةٍ حلقةً بعدها حتى قاربَت ربعَ ألف حلقة. وأحسب أنه لو لم يوافق -في ذلك اليوم- على الشروع بهذا المشروع لما رأينا هذه الذكريات بين أيدينا قط.