قرأت ما كتب عني الأستاذ أحمد أبو الفتح. وأنا أعرفه قراءة له لا اجتماعاً به، أعرفه أيام إقامتي في مصر، أيام كانت مصر هي مصر وكان الناس هم الناس. وما جئت أجزيه ثناء بثناء ومدحاً بمدح، فأنا أكتب وأنشر من ستّين سنة كاملة، من يوم حرّرت آخر جزأين من مجلة «الزهراء» التي كان يُصدِرها خالي محب الدين الخطيب ويكتب فيها الأعلام كالرافعي والأمير شكيب أرسلان.
وقد كُتب عني من الثناء ما لو كبرت مئة مرة لما كنت أهلاً له، وكُتب عني من الهجاء ما لو صغرت مئة مرة لما كنت أهلاً له، فهان عليّ الأمران حتى لم أعُد أفرح (إلاّ قليلاً) بالثناء ولا آسى ولا أتألم (إلاّ أقلّ من القليل) من الهجاء. ولكن سرّني أني وجدت من كبار أصحاب الأقلام في مصر من يشاركني الشعور بأن الأمس الذي كنا نبكي فيه مما نسمع من بعض الفساد في حكومة مصر، ومن تسلُّط الإنكليز على مصر وليس لهم فيها من حقّ. فلما جاء حكم الضباط الأغرار، أقصد الأحرار، فقد سبق القلم إلى ما هو الصواب، بكينا على العهد الذي قبله لا حباً فيه ولكن بغضاً لِما جاء بعده.