عرفتم أن أبي رحمه الله مات سنة ١٣٤٣هـ وأنا لم أكمل السابعة عشرة، وترك أسرة كبيرة ولم يترك مالاً، لا نقداً ولا عقاراً، فخضتُ معترَك الحياة بلا سلاح إلاّ ما منّ الله به عليّ من مواهب. طرقتُ لكسب الرزق كل باب وصلت إليه، إلاّ باباً حراماً يكرهه الشرع أو باباً وراءه مهانة ومذلّة تأباها الكرامة؛ فاشتغلت بالتجارة حيناً، وبالتعليم، دخلت فيه سنة ١٣٤٥ وأنا لا أزال طالباً ثم لم أخرج منه، وبالقضاء من سنة ١٣٥٩ إلى سنة ١٣٨٥، وبالصحافة احترافاً لها وقتاً قصيراً وكتابة فيها الوقت كله، ما أعرضت عنها من يوم أقبلت أول مرة عليها.
فلما كانت سنة ١٣٦٦ (١٩٤٧) التي أحدّثكم الآن حديثها وكنت في مصر كانت الانتخابات في الشام. وقد تجري الانتخابات الآن في بعض الدول التي دخلَت إليها الماركسية أو إحدى بناتها أو جرّتها إليها أو استمالتها فأمالتها، تجري الانتخابات فيها فلا يحسّ بها أهل البلد إلاّ أن يسمعوا أخبارها من إذاعة حكوماتهم أو يقرؤوها في جرائدها، تجري هيّنة ليّنة كالماء السلسبيل لا يعترضه عارض ولا تموج فيه موجة، لأن مَن يلي أمرها رتّب كل شيء