قلت لكم في أول فصل من هذه الذكريات إن الذي يكتبها ليس واحداً، بل كثير في واحد. لست أعني أنني أُصِبْت بانفصام الشخصية وأن عليّ أن أراجع الدكتور محمد فضل الخاني، بل أعني أن النفس البشرية في تبدّل مستمرّ مع أنها واحدة؛ مثلها مثل مجلس فيه مئة عضو، تنتهي في كل شهر عضوية عشرة منهم ويأتي عشرة جدد، أو كمثل نهر جارٍ لا تقف قطرة منه ولا ترجع بعدما مرّت. وقد يصفو ماؤه أو يتعكّر، وقد يفيض النهر أو يغيض، ولكن يبقى النيل -مثلاً- هو النيل صفا أو تكدّر، وعند الفيضان وفي أيام النقصان.
والإنسان يرضى ويغضب، ويحب ويكره، ويطمع ويقنع، ويصحّ ويمرض، ويفرح ويحزن، وهو في كل حالة من هذه الحالات وأمثالها يصير كأنه إنسان جديد، يتبدّل نظره إلى الأشياء وحكمه عليها. ومن هنا قلت: إن كاتب هذه الذكريات ليس واحداً.
ولقد قرأت اليوم ما كتبته في الفصل السابق فما رضيته! لقد