كانت سفرتي إلى مصر سنة ١٩٢٨ أكبر حادث حدث لي في شبابي، ترك أعمق الآثار في نفسي وفي فكري وفي سلوكي، ولكنّ الخسارة التي لا تُعوّض أنّي لم أدوّنها في حينها. كنت كالذي زعموا أنه وصل إلى «الكنز المرصود» فوجد ركاماً من الذهب والحليّ وأكواماً من الجواهر والألماس، فلم يحمل ما يقدر على حمله منها بل دفعه الطمع إلى أن يبحث عن غيرها علّه يجد أغلى منها، فلما تركها وابتعد عنها ضلّ طريق العودة إليها، فلم يبلغها ولم يرجع بشيء منها.
فخذوها نصيحة مني، نصيحة من مجرّب يريد أن يجنبكم عواقب السيِّئ من تجارِبه: دوّنوا كلّ ما يمرّ على أذهانكم من أفكار وما يعتلج في نفوسكم من مشاعر، اكتبوه في حينه، فإنكم إن أجّلتموه فتّشتم عنه فلم تجدوه.
فيا ليتني كتبت ما أحسسته وما فكّرت فيه ساعة وصولي إلى مصر! تقولون: اكتبه الآن. الآن؟ هيهات! فلا أنا الآن «أنا» في ذلك اليوم، ولا مصر مصر، ولا أهلوها أهلوها. لا أقول إنهم