لقد كانت أيامي في سلمية قليلة ولكنها جميلة؛ كانت كأنها حلم قصير تصحو وفي قلبك حلاوته، ولكنك إذا جئت تحدّث به وجدته قد تَفلّت منك كأنه كرة مدهونة بالزيت أو كأنك كنت قابضاً على الماء. ولا تحسبوا أني عشت فيها في مثل نعيم الجنّة، فما كانت سلمية جنة ولا كانت قطعة من لبنان أو من الزّبَداني وبْلودان، ما كان فيها الينابيع الصافية والسواقي الجارية والقمم العالية تشرف على الأودية المسحورة التي تتلوّى: تبين وتخفى، تجري في قرارتها الجداول والأنهار وتقوم على حفافيها الأشجار، فيها الثمار أو الزروع الحالية بالأزهار. ما كانت سلمية إلا قرية في صحراء تقوم على طرف بادية الشام، التي تبدأ من حيث تنتهي هذه القرية ولا تنتهي إلا حيث تبدأ أرض العراق ويبدو «السواد» في الطريق إلى بغداد، فما الذي جعلني إذا ذكرتُها حننت إلى أيامي فيها وأنست بذكراها؟
أنا اليوم -بحمد الله- أحسن حالاً وأكثر مالاً وأروَح بالاً، وأوسع ذكراً وأعلى اسماً، فلماذا لا أستمتع بما أنا فيه من نِعَم