للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى تلك الأيام كأنها من بهجتها الحلم؟

ذلك لأني أرى اليوم الدنيا بعين الشيخ المودّع وقد كنت أراها بعين الشابّ القادم، وكم بين لقاء القدوم واجتماع الوداع! الشابّ يحيا بالأمل وهو في غمرة الألم، لا يرى الشجرة العارية في قلب الشتاء بل يبصر البراعم والزهور التي سوف يكسوها بها الربيع، والشيخ يبصرها في الصيف لابسة ثوبها الأخضر متوّجة رأسها بزهرها الأصفر والأحمر، فلا يرى فيها إلا خشبها وحطبها حين يحلّ بها الشتاء فيجرّدها من ثوبها.

لقد أدركني شتاء العمر الذي لا ربيع بعده إلا ربيعاً دائماً لا أستحقّه بعملي وأطمع فيه برحمة ربي.

* * *

لقد تركتكم على باب الفندق، وليس فندق شيراتون أو الهيلتون اللذين سمعت بهما ولا أحبّ والله أن أُضطرّ إلى دخولهما، بل كان شيئاً يشبه الفنادق، غرفاً فيها أَسرّة وكراسي وفيها شيء من الطعام والشراب. وقد قلت إني لا أحب دخول الفنادق وأحسّ فيها كأني ضائع، لأن أكثر هذه الفنادق الكبار تقوم في بلادنا وكأنّ الداخل إليها قد خرج من بلادنا، فلا العادات فيها عاداتنا ولا طعامها طعامنا، بل إن لسان أكثر أهلها غير لساننا (١). وأنا أكره الفنادق من شبابي ولكني صرت الآن أشدّ كرهاً لها، بل إني صرت إذا بتّ عند بنتي لم أنَم ليلتي الأولى؛ لم أعُد أستطيع


(١) انظر مقالة «في الفندق» في كتاب «مع الناس» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>