للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أبدّل عاداتي في شرابي وطعامي ومنامي وقيامي، لأنها كانت مثل الغصن الليّن تلويه فيلتوي فصارت مثل الحطبة اليابسة إن حاولت ليّها (أي لوْيها) كسرتَها.

لقد قضيت ليلتي الأولى في سلمية (كما أقضي مثلها في كل مكان خارج بيتي) ساهراً، لم أنَم إلا غفوات تُتعِب ولا تُريح، وقمت مصدّع الرأس. ولكن تحمّل الشباب، والبلد الجديد الذي جئته في سواد الليل وأحبّ رؤيته في بياض النهار، والعمل الجديد، كل ذلك أنساني تعبي وجدّد لي نشاطي.

وجاء المدير. وقد قلت لكم إنه كان أستاذنا في المدرسة الابتدائية، لم يعلّمني ولكنْ علّم الطلاّب الذين كانوا أصغر مني، وهو الرجل الصالح الفاضل حقاً بكر الأورفلي. وكنا على طريقة الأتراك ننطقها «باكير»، و «الأورفة لي» نسبة إلى «أورفا»، وهي التي كانت تُسمّى قديماً «الرُّها» ولها ذكر في الفلسفة. أما اللام (أورفلي) فهي لام النسب في التركية، وإنْ نسبوا إلى الصناعات جعلوا مكانها جيماً.

وكانت المدرسة في ظاهر البلد قائمة وحدها في خلاء من الأرض. ووجدنا المعلّمين واقفين لاستقبالنا، والتلاميذ يزيدون على الثلاثمئة مصطفّين ليروا المعلّم الجديد الذي جاءهم في آخر العام الدراسي بدلاً من «فلان أفندي» الذي كانوا يشكون من قسوته وضعف مقدرته وما يزعمون من سوء سيرته. فلما وصلنا إليهم هتفوا مرحّبين، ثم أنشدوا «نشيد الاستقبال» كأني قائد عاد من المعركة بالنصر!

<<  <  ج: ص:  >  >>