لمّا كنا ندرُس الفلسفة سنة ١٣٤٧هـ قرأت لهنري بوان كاره، العالِم الرياضي الفرنسي، وصفاً لمراحل تكوّن الفكرة في رأس العالِم أو القطعة الأدبية في ذهن الأديب، فقال إنه يتصوّر أولاً صورة مبهَمة يسمّيها هو «شيما» ثم يحاول أن يُظهرها في نظرية علمية أو قصّة أو قصيدة.
وأنا لمّا اقترحوا عليّ كتابة هذه الذكريات لم يكن لها في ذهني صورة، ولم يكن تحت يدي أوراق مكتوبة أعتمد عليها، وكنت أغبط من يكتب ذكرياته ويرجع إلى مذكرات كتبها في حينها، لذلك جاءت ذكرياتي غريبة عن كل أسلوب تبعه كتّاب الذكريات؛ فلا هي مرتَّبة على السنين تمشي مع التاريخ ككتاب «حياتي» لأحمد أمين، ولا هي سرد قصصي لوقائع الحياة ككتاب «الأيام» لطه حسين، ولا هي أفكار يربطها رباط قصصي كالذي كتب العقاد. فما هي إذن؟
هي ما ترون وتقرؤون. وأنا أشكر لكم أن صبرتم عليها فقرأتموها، وأشكر لكما يا أخوَيّ الكريمَين الأستاذَين هشام ومحمد علي حافظ أن نشرتماها.