قلت لكم إن بين سنغافورة والملايا (ماليزيا) جسراً ممدوداً فوق البحر، فإذا قطعتم هذا الجسر وجُزتم الحدود والمكوس (الجمارك، التي تخلو منها الجزيرة) رأيتم تسع سلطنات فيها تسعة سلاطين، لم يأتِ بها اختلاف جنس ولا لسان ولا دين ولا جاءت بها إرادة الشعب، ولكن مصلحة المستعمر. وأقربها من سنغافورة سلطنة جوهور. وقد قلت لكم إنني ألقيت فيها خطبة هجمت فيها على الإنكليز هجمة الحقّ، وكان الناس بقلوبهم معي وكانوا معي بألسنتهم التي تهتف مؤيّدة لي مؤمنة بما أقول.
وذهبنا بعد الحفلة إلى مسجد جوهور. وهو في بقعة لم أرَ -على كثرة ما رأيت من البلدان وزرت من الأقطار- بقعة أجمل منها ولا أهدأ؛ هضبة مستوية كأنها قبّة ضخمة فيها الأشجار الاستوائية البارعة الجمال المتعدّدة الأزهار التي لا نعرف أمثالها في بلادنا، تتخلّلها بقاع مكشوفة أرضها خضراء ليّنة زاهرة كأنها سجّادة فاخرة، في وسطها المسجد. وهو من الرخام الأبيض الناصع، نظيف نظافة قَلّ مثالها، والمكان هادئ حتى ليسمع فيه الإنسان صوت السكون، في عالَم تداخلت فيه الأصوات وامتزجت