وتخالطَت: أصوات السيارات في الشارع، والآلات في المعمل، والناس في السوق، والأولاد في المدرسة ... ضوضاء تتحطم منها الأعصاب حتى ليتمنّى المرء مخلصاً منها. وأين المخلص وأين الهدوء؟ على أنه ليس كل ساكن هادئ مستحَبّ مطلوب، فالسجن الانفرادي فيه الهدوء كلّه ولكن ما فيه من السعادة ولا من الأُنس شيء، والصحراء هادئة ولكن لا راحة فيها ولا هناء لأنه لا ظِلّ فيها ولا ماء.
فلما جئت هذا المكان وجدت الهدوء الجميل والسكون المؤنس وأمان النفس واطمئنان القلب، في بقعة جمعت جمال الطبيعة التي طبعها الله عليها، وجلال الدين الذي يعبّر عنه المسجد، وطيب الصحبة مع هؤلاء الإخوة الكرام. وقد صلّينا معهم فيه، ثم ذهبنا إلى دار المفتي السيد علوي بن طاهر الحدّاد، وهي على الهضبة وراء المسجد، وكان مجلس علم ومذاكرة ونكت ونوادر. والمفتي رجل حضرمي عالِم مطّلع حاضر النكتة عذب الحديث، أعلم مَن لقيت منذ خرجت من الهند متجوّلاً في جنوب آسيا إلى أن رجعت إليها.
وكانت الهيئات الإسلامية هناك عاملة على تحقيق مشروع عظيم هو إنشاء كلية إسلامية، قُدِّر لبنائها يومئذ مليون دولار ملاوي (أي ماليزي، والدولار أو الروبية الملاوية لم تكن تزيد عن الليرة السورية إلاّ شيئاً قليلاً). وقد كان أول من سعى إلى إنشائها الشيخ عبد العليم الصديقي، الداعية الإسلامي المعروف بمحاربة المدارس التنصيرية الأجنبية، وقد بلغني أنه تم جمع المبلغ بعد سفري وافتُتحَت الكلّية.