كان أقصى عمل العالِم أن يعمد إلى كتاب من الكتب فيجمع عليه تلاميذه، يشرح لهم عبارته ويوضح مقاصده، يفلّي العبارة ويقلبها ويحلّلها تحليلاً، يقف عند كل كلمة: لماذا قالها المصنّف ولم يقُل ما يرادفها ويؤدّي معناها؟ وعند كل ظرف وعند كل حرف عطف. وكانت هذه هي الطريقة الأزهرية لمّا أضاع علماء الأزهر ملكة الإبداع واقتصروا على الاتباع. وقد بدأت هذه المرحلة من القرن التاسع الهجري أو قبله بقليل، ولو رسمنا للعلوم خطاً بيانياً لوجدناه يبدأ دقيقاً مائلاً إلى الصعود، ثم يصير عريضاً، ثم يبلغ مداه فيستمرّ مستقيماً لا يعلو ولا ينزل، ثم يبدأ النزول.
مثله مثل بضاعة جديدة حملها إلى البلد تاجر فأقبل الناس عليها، ثم تتابع ورودها، ثم كثرَت عند البائعين فجمعوها في مستودعات ضخمة ومخازن كبيرة. ثم انقطع الاستيراد واكتفى الناس بما في المخازن والمستودعات، يتوزعها الباعة يفتنّون في عرضها في الأسواق. وكان عصر الجمع أو عصر الموسوعات، وهو القرن التاسع الهجري، جُمعت فيه أصول العلوم في كتب