للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسعة، ككتاب «الإتقان» في علوم القرآن و «المزهر» في علوم اللغة و «نهاية الأرَب» و «صبح الأعشى».

كل العلوم مرّ بهذه المراحل. آخذ واحداً منها أمثّل به عليها، هو علم (أو علوم) البلاغة؛ كان الأدباء والشعراء يخترعون المعاني الجديدة والأساليب الطريفة، فكان النقّاد كلما وجدوا شيئاً جديداً وضعوا له عنواناً وضمّوه إلى أمثاله، فكانت «البلاغة»، وهي النقد منظَّماً. ثم استمرّ الشعراء والأدباء يجدّدون، ووقف النقّاد (أي علماء البلاغة) عند كتابَي عبد القاهر الجرجاني وتلميذه السكّاكي، ثم جاء القَزويني فلخّص ما في كتاب السكاكي. ثم صارت «البلاغة» كلها تدور حول «التلخيص»، فمِن شارحٍ له ومن معلّق عليه، ومن مختصر للشرح ومن شارح للمختصر، ولم نعُد نجد عندهم جديداً.

لذلك قُلت إن عمل العلماء اقتصر على العكوف على تراث الأوّلين، لا يخرجون عليه ولا يجاوزون حدوده. حتى إن شيخ مشايخنا في الشام الشيخ عبد المحسن الأسطواني الذي سبقَت الكتابة عنه في هذه الذكريات، وكان من تلاميذ جدّنا الشيخ محمد الذي قدم الشام من طنطا، كان يحدّثنا عنه يعدّد مزاياه، فذكر مزيّة أكبرها ورأيناها أمراً عادياً، هي أنهم كانوا يقرؤون على شيخ من مشايخ دمشق (سمّاه لنا ونسيت اسمه) فمرّت في الكتاب عبارة لم يدركوا غرض المصنّف رحمه الله منها، فقلبوها على وجوهها وأخذوها من جميع أطرافها، فلم يَضِح لهم المقصود بها، فقال لهم شيخهم: اعرضوها على الشيخ محمد الطنطاوي. فلما جاؤوه بها ضحك وقال: دي غلطة من الناسخ. وأخذ القلم فصحّحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>