الناس إن ذكروا أيام الدراسة ذكروا أجمل مراحل العمر، أيام كانوا يسيرون في الجنّة الفيحاء بين الظلّ والماء، ما عرفوا بعدُ همومَ الحياة ولا كُلّفوا متاعب العيش ولا أحسوا أثقال العيال، يستمتعون بثمرات المال والجمال، يهيمون في أودية الأماني والآمال، يحملون من ذكرياتهم رحيقاً يتعللون به إذا بلغوا صحراء العمر، ولا مناص لكل سالك من بلوغ هذه الصحراء.
هأنذا (١) اليوم أودّع هذه المرحلة، فما الذي حملتُه منها إلا ذكرى التعب والنصَب وما عشت فيه من الضيق، وما كُلّفته من حمل أعباء الأسرة؟ ما الذي أصبتُه من مُتَع الشباب ومن لهو الشباب؟ لا شيء!
لقد كانت كلية الحقوق منزلاً نزلتُه أنا الآن مُفارقُه، كنت كالمستأجر الذي انقضى أمَدُ إجارته فهو يجمع أشياءه ليحزمها فيحملها ويسلّم مفتاح الدار ويمشي، يُخلي المنزل لمستأجر جديد. وكذلك يتداول الناس المساكن كأنها مقاعد الطيارة،