مقعدك لك مدّة الطريق فإذا وصلت صار لغيرك، حتى إذا رحل الركاب جميعاً من هنا اجتمعوا هناك، وهناك المقام الدائم: إمّا في السجن الضيق أو في المنزل الفسيح، في العذاب الباقي أو النعيم المقيم، فأين يكون منزلنا؟ إن لذلك المنزل ثمناً، فمَن جَمَع ثمنه حوّله «حوالة» فوجده قد سبقه إلى هناك. وأنا ما دفعت الثمن وما جمعته لأدفعه، فهل بقي في العمر ما يكفي لجمع الثمن؟
اللهم ما لي إلاّ الأمل بعفوك ورحمتك، اللهم لا تكلني إلى عملي. رحمتك وسعت كل شيء ومغفرتك لا تضيق بذنوبي.
* * *
من يترك منزلاً يفتش أركانه وزواياه عله نسي فيها شيئاً، وقد فتشت فوجدت (أشياء ...) كثيرة صغيرة، حملت الأشياء الكبار ونسيتها، فماذا أصنع بها الآن؟ لقد وضعتها في صناديق وسأحملها معي، فكلما جاءت مناسبةُ عرضِ واحدٍ منها عرضته عليكم. ذكريات صغيرة كثيرة: من عهد الطفولة والمدرسة الابتدائية ومكتب عنبر، ودار العلوم وأيامي في مصر والجامعة السورية، وأهلي ومشايخي ومن عرفت في هذه المرحلة من الرجال وما تركوا في نفسي من آثار ... كل ذلك قد حملته معي، فإذا جاء وقت عرضه عرضت ما بقي في ذهني منه، ممّا لم أذكره فيما سلف من حلقات هذه الذكريات.
هذا عن الأشياء الصغيرة التي نسيتها في الأركان والزوايا، فما رأيكم فيّ إذا كنت قد نسيت منزلاً كاملاً، نزلته حيناً من العمر ونسيت أني قد نزلته؟!