بيان واعتذار: كان النقد عند الطبقة التي قبلنا من الأدباء مثل المصارعة الحرة؛ لَيّاً للأيدي وخلعاً للأكتاف وكسراً للأصابع، نطحاً وبطحاً ورفساً وعضاً ورفعاً وخفضاً، وكل ما تصنع الوحوش المتقاتلة في الغاب وما لا تصنعه الوحوش، حتى إن الواحد ليرفع الآخر في الهواء ويداه ممدوتان ثم يُلقي به على الأرض فيختلط طوله بالعرض! وكنتُ -ولا فخر- من أقدر أصحابي ومَن هم في طبقتي في هذا، وكنت أشَدّهم على الخصم وأكثرَهم احتمالاً من الخصم، على أنني ما كنت أضرب وأهرب، بل أقف مُقيم الصلب مبدياً صفحة الصدر قد شددت عضلاتي، أدعوه ليضربني خمساً أو ستاً فلا أتزلزل ولا أتزعزع، وأضربه ضربة واحدة فيخرّ منها للوجه ولليدين.
ثم قُلبت صفحة وفُتحت صفحة جديدة، أرادوا (وإن لم يحقّقوا ما أرادوا) أن يكون النقد -كما قالوا- موضوعياً ناعماً، ليس فيه لكم ولا لطم ولا رفس ولا دعس، ولكنه شيء كالعناق والتقبيل ومسّ بالأيدي الناعمة وتربيت على الأكتاف الليّنة، أو أن يغمض الناقد عينيه (إن لم يكن ذا خبرة بهذا الفنّ) ويلوح بذراعيه