مضى ثلثا الليل ونحن، أنا وزوجتي والأستاذ ظبيان معنا، هائمون على وجوهنا في شوارع بروكسل، وقد خلت إلاّ من أعقاب السابلة وروّاد الليل، من السكارى العائدين بالخزي من الخمّارات والسرّاق والعشّاق، ومن يتيقظ حين ينام الناس كالبوم والحيّات والعقارب وهوام الأرض.
ولكل امرئ أمانٍ يتمناها، وقد تجمّعت أمنياتنا كلها في غرفة لها باب ووطاء وغطاء ووسادة نسند رؤوسنا إليها، حيث نأمن أن يدخل غريب علينا. وأدركت عظمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:«من أمسى آمناً في سِرْبه مُعافىً في بدنه مالكاً قوتَ يومه فقد حِيزَت له الدنيا». وهذا الذي كنا نطلبه في تلك الساعة من الدنيا كلها. لقد عرفت لماذا اعتدّ (أي عدّ) الله من نعمه على قريش أنه أسكنهم بجوار البيت الآمن وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
وذكرت (والذكريات يجرّ بعضها بعضاً) لمّا مررنا في طريقنا من عمّان إلى بغداد ورأينا ما صنع الإنكليز في الصحراء