يقولون إن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، أي أنه يبقى ويخلُد (لو كان شيءٌ يخلد في هذه الدنيا!)، ولكني طالما رأيت نقشاً قديماً على الحجر الصلد قد مُحي، أو مُحي أكثره ولم يبقَ منه إلاّ كلمات معدودة.
وذكرياتي عن البصرة ليست نقشاً على حجر، بل ليست كتابة على ورق، وإنما هي صور حملَتها الذاكرة هذه السنين الطوال فأضعت على الطريق أكثرها، لذلك أسألكم أن تسامحوني إذا عرضتها جملة ولم أعرض تفاصيلها ودقائقها.
* * *
وصلت المدرسة فوجدت باباً كبيراً عليه حارس نبيه، فلم يفتح لي حتّى عرف من أنا وماذا أريد. ولكني عرفت لمّا دخلت المدرسة أن ساحتها ليس لها جدار من الخلف، أي أنها كقبر جحا التركي في قونية الذي زعم مَن رآه أن عليه الأقفال الثقال ولكن ليس له جدران، فمن شاء دار من حوله فدخل، كما دار الألمان في الحرب الثانية حول خط ماجينو الذي قالوا إنه مستحيل