دخل علينا شعبان سنة ١٣٤٣ ونحن في الدار الثالثة التي استأجرها والدي في الصالحية، وكانت أعلى من نهر «يزيد» فلا يصل ماؤه إليها، ومياه «الفيجة» في السُّبُل العامّة فقط لم تكُن قد جُرَّت إلى البيوت، فكانت البيوت تستقي من آبار يصل إليها الماء من نهر «يزيد» والناس يسحبون المياه من الآبار بالمضخات، وكان في ضخّها تقوية لعضلات اليد ورياضة ونشاط للبدن. ولكن أبي كان يريد الراحة لأسرته، فما كاد يسمع بوصول المحرّكات الكهربائية إلى دمشق حتى كان أول محرّك (موتور) مركّباً في دارنا، اشتراه من السيد جمال القاري. وكان مَن يزورنا من الرجال والنساء يتعجبون منه لأنهم لم يكونوا قد رأوا مثله.
وكنا نستعد لرمضان لأن الضيوف يزدادون في رمضان، ونحن لا نكاد نخلو منهم سائر أيام السنة. وقلما كان والدي يأكل وحده أو يأكل مع أهله، لا في الفطور ولا في العشاء، وما كان يمرّ يوم لا يزورنا فيه عمّاي (أعني خالَي أبي، وكنت أناديهما بالعمّين)، وأبناء أحدهما وبعض تلاميذ أبي أو بعض أصحابه، فلا ترى إلا «صواني» الطعام داخلة إلى المجلس في وقت الطعام وفي غير وقت الطعام