علّمونا ونحن صغار أن الولد المهذب هو الذي لا يرفع بصره عن الأرض إذا كان مع الكبار، وإذا قعد أمامهم ضمّ أعضاءه بعضها إلى بعض وأحنى رأسه ولم يتكلم حتّى يُسأل، وإن سُئل خفض بالجواب صوته، وكلّما نطق بجملة أعقبها بقوله «سيدي»، وإن قابل كبيراً قبّل يده ورفعها إلى جبينه. ثم تعلّمنا في المدرسة أن المسلم يكون أبداً عزيز النفس مرفوع الرأس جريئاً، إن تكلّم أسمع.
أي أنهم وجّهونا وجهتين متعارضتين، فكان عليّ أن أمشي إلى الوراء وأنا أتقدم إلى الأمام، وأن أصعد نازلاً وأنزل صاعداً.
وكنّا في ذلك صورة من عصرنا؛ فلقد كان -كما قلت مرّات- عصر انتقال من حال إلى حال، مرّ بمثله العرب لمّا حملوا الإسلام ففتحوا به البلدان، ومرّ به الرومان لما أخضعوا أمة اليونان، ولا تزال الأمم تمرّ بمثله في كلّ زمان ومكان.
كنّا في عزلة عن أوربّا، عزلة مادّية وفكرية، لم نُشِد حضارة