مثل حضارة أجدادنا ولم نقتبس ممّا شاد غيرنا. كان بيننا وبينهم باب، ولكنه لم يكن محكَم الإغلاق بل كان فيه فرجة يدخل علينا منها بعض الجديد، فكان ممّن سبقونا قليلاً مَن نال نصيباً (كان يُعَدّ يومئذ كبيراً) من جديد أوربّا. كان منهم من درس في إسطنبول ومن درس في فرنسا وإنكلترا، ولكن هذا النفر القليل لم يكن له أثر ظاهر في حياتنا. فلما كانت الرجّة الكبرى ١٩١٤ حرّكت هذا الباب بيننا وبينهم، فلما انتهت الحرب سنة ١٩١٨ فُتح الباب على مصراعَيه.
من هنا ظهر في مجتمعنا الازدواج: في أساليب الحياة وفي طريق التفكير وفي كثير من المظاهر. وكنّا نحن الذين تلقّوا منه الصدمة الأولى، لأنني وأمثالي كنّا في سنة ١٩١٨ في أواخر المدرسة الابتدائية؛ فمن هنا ما ترون من الازدواج أحياناً في تفكيري وفي سلوكي: ما بين محافظة على القديم وتمسّك به ودفاع عنه، وأخذ بالجديد وحماسة له. وما بين اشتغال بالعلوم الأزهرية من الفقه والحديث والتجويد وأخواتها وإقبال عليها وملازمة لعلمائها، ومن حرص على الأدب وعناية به، وتتبّع لقديمه وجديده وأساليب أهله ومذاهب نُقّاده.
حتّى نتج عن ذلك أنهم لمّا أنشؤوا في مصر والشام أيام الوحدة لجاناً ومؤسسات للأدب، نثره وشعره، أقصوني عنها وقالوا: هذا شيخ فقيه. ولما ألّفوا المجالس الفقهية أبعدوني عنها، وقالوا: هذا رجل أديب!
وما أقول هذا أسفاً على ما ضاع عليّ منها، لا والله. ولو