وضعت عنواناً لهذه الحلقات «العطلة الصيفية في دمشق»، ولكن طال الطريق إليها فلم أطرق بابها، وإنما تكلّمت عن المدارس التي كنت فيها ولم تكن تعرفها. تكلمت عن «الكُتّاب» ولم أكمل حديثه، وما هو بالحديث اللَذّ الممتع، ولولا أن أساتذة أفاضل يكتبون في الثناء عليه والدعوة إلى العودة إليه ما عرضت له ولا تكلمت فيه. قلت لكم إن جدّي أخذني إليه فبقيتُ فيه بعض يوم، ولكن مرارته لم تذهب من حلقي إلى اليوم؛ لا أزال أحسّ بها كأنما تجرّعت بالأمس غصصها! وقد مات جدي الذي أخذني إلى الكتّاب سنة ١٣٣٢هـ، أي من ثلاثة أرباع القرن، ولكن ثلاثة أرباع القرن لم تُشفِني من الصدمة التي ضعضعت نفسي في تلك الساعات الثلاث التي قضيتها في الكتّاب.
أفلا يتصور دعاة الرجوع إليه أن للأطفال قلوباً ومشاعر، وأنهم يُسَرّون ويَألمون كما يألم الكبار ويُسَرّون، وأن ذكريات المسرّات والآلام في بواكير العمر تُختزَن في نفوسهم فتضيء لهم طريق العمر كله أو تجعله ظلاماً؟