تيقّنت الآن أن مثل هذه الذكريات لا موضع لها في الجريدة اليومية، لأن الجرائد إنما وُجدت لتُظهِر ما يُضمِر الناس في قلوبهم من ألم يضيقون بحمله أو أمل يشوقهم تحقيقه، ولتكون مرآة لحياتهم وصدى لأحاديثهم فيما بينهم، تكتب لهم ما يهمّهم من أحداث يومهم ومطالب غدهم. فهم يشترونها ليقرؤوا فيها أنباء السياسة وأهلها، والدنيا وأحداثها، وغرائب الوقائع وطرائفها، وكلّما كان الخبر أكثر إثارة للقُرّاء كانوا أشدّ حرصاً عليه وميلاً إليه. هذه هي الحقيقة. فما الذي يهمّ الناس ممّا وقع لي أنا قبل خمسين سنة؟
ثم أرجع فأقول لنفسي إني أسرد اليوم تجرِبتي في ميدان الكتابة والإنشاء، أفليس في القُرّاء من يرغب في معرفتها؟ أو ليس مِن الراغبين فيها مَن يستفيد منها؟ إنّ شُداة الأدب وطُلاّب الإنشاء كثير، وليس يخلو ما وقع لي -إذا سردت خبره- من نفع لهم يدلّهم سردُه على ما فيه من خير ليأخذوه وما فيه من شرّ ليجتنبوه.
ولا تمنعني فضيلة التواضُع من ذِكر حقيقة معروفة لست أدّعيها دعوى ولكنني أقرّرها تقريراً، هي أنني اتّبعت في الكتابة