هل زرتم مرّة متحف الشمع؟ حيث ترى الناس على هيئاتهم في بيوتهم وأسواقهم ومجامعهم، بألوان جلودهم وملامح وجوههم وحركات أيديهم، حتى إنك لَتهمّ أن تدنو منهم فتمدّ يدك إليهم وتُلقي بأذنك إليهم لتسمع كلامهم! ترى الرجل في بيته مع أهله أو مع ضيوفه، والمرأة في غرفتها مع زائراتها والخادمة تدور بالقهوة أو بالشراب عليهن، أو ترى الأسرة حول طعامها تمدّ إليه أيديها وتملأ به أفواهها، وتُبصِر صاحب القهوة مع روّادها وصبيانها، والطبيب في مستشفاه مع مرضاه، وتُبصِر الحياة كلها بمشاهدها أمامك، ولكن ما ثَمّ حياة ولا فيما ترى روح؛ إنما هي أشباح بلا أرواح، ترى المحدّث ولكن لا تسمع الحديث ولا تطرق أذنيك نبراتُه ورنّاته، ولو رُكّبت في هذه التماثيل مسجّلات فسمعت حديث أصحابها لَما سمعت إلاّ أصواتاً ميتة من جسد ميت.
هذا مثال ذكرياتي التي نشرتها، وهذا ما تجدونه في ذكريات الأدباء مهما بلغوا من العلوّ في سلّم الأدب؛ إن الذي يضعونه فيها تماثيل الشمع. وهَبْني وصفت المكان حتى كأنك فيه والأشخاصَ