كانت مصر في السنة التي أتكلم عنها (١٩٣٣) كالأرض العالية؛ ينزل الماء منها إلى ما دونَها ولا يصعد ممّا تحتها إليها، فالمطبوعات في مصر (من كتب ومجلاّت) تُقرأ في الشام (أي سوريا ولبنان وفلسطين) وفي العراق وفي جزيرة العرب، والمطبوعات في الشام تُقرأ في العراق والجزيرة ولكن قلّما تُقرأ أو تُعرَف في مصر، والمطبوعات في العراق لا تكاد -يومئذ- تصل إلى غيره، أما الجزيرة فلم تكن فيها مطبوعات تُذكَر، أمّا المغرب فقد قطع المستعمرون صلتَنا به فلا يصل إلينا شيء من مطبوعاته.
ولقد أمضيت أنا أكثر سِنِي دراستي الابتدائية والمتوسطة وأنا عاكف على كتب الأدب القديم، ما عرفت من الجديد إلاّ المنفلوطي الذي نشأنا على «نظراته»، أدمنت قراءتها حتى حفظتها، و «عبَراته» وما تُرجم له فكتبه بقلمه من القصص الفرنسية. وعرفت -كما قلت لكم- «مجلّة الرابطة الأدبية» التي صدرت في الشام نحو سنة ١٩٢٠ ومجلّة «الميزان» التي كان يُصدِرها أحمد شاكر