لقيَني قبل العيد جماعة من المعلمين من الذين يدرّس الواحد منهم أربعة وعشرين درساً في الأسبوع، يحضّر لها بالمراجعة والإعداد ويصحّح وظائف التلاميذ، ولَنقْلُ الحجارة أسهل من تصحيح الوظائف! ويضبط الفصل ويُديره، وضبط الفصل وإدارته أصعب من إدارة وزارة كاملة، لأن الوزير يكلّم ناساً كباراً يعقلون ويقدّرون النتائج ويفكّرون قبل أن يعملوا، والمعلّم يخاطب صغاراً لا يقدّرون العواقب، أيديهم إلى العمل أسرع من رؤوسهم إلى التفكير، بل لعلّهم لا يكادون يفكّرون! ومَن عند الوزير مسؤولون عن أنفسهم، ومَن في المدرسة من التلاميذ وراءهم أولياؤهم، إن أحسنتَ رعايتهم وصَدَقتَ في تعليمهم وتهذيبهم لم يشكروك لأنك إنما تؤدّي واجباً وجب عليك، وإن قصّرت في العمل أو شدّدت في العقوبة ذهب الأولاد إلى أبيهم مساءً يبكون، قالوا: ياأبانا المعلم ضربنا! وربما كان الأب عالي المكان أو كان من ذوي السلطان، فنال المعلم الأذى.
أعرف هذا لأني بلوته حيناً من الدهر، بل ابتُليت به ومسّني من أجله الضرّ. هذا وربما كان في المعلمين مقصّر بلا عذر، قاسٍ