أحاول في هذه الذكريات ألاّ أقصر القول على ما كان مني أو ما وقع لي، بل أن أضمّنها شيئاً من الأدب يلذّ ويمتع أو قليلاً من العلم يفيد وينفع. وقد تعلّمت هذا الأسلوب من الإمام السبكي في «طبقات الشافعية»، فإنه إن ذكر مناظرة بين عالِمين لخّصها وبيّن وجهة كل منهما، وإن عرض لذكر مسألة عرّف بها ولم يكتفِ بالإشارة إليها؛ كما صنع عند الكلام عن محنة خَلق القرآن وموقف الإمام أحمد منها، فقد فصّل القول فيها -على بُعد عهده من عهدها- فكان كتابه أوفى مرجع للباحث فيها، وامتاز من كتب التراجم الكثيرة جداً بأنه كان كتاب علم وأدب فوق أنه كتاب تاريخ وخبر. وما أنا مثله ولكن أتشبّه به:
فتشبّهوا إنْ لم تكونوا مثلَهمْ ... إنّ التشبّهَ بالكِرامِ فَلاحُ
وكان ذلك مزيّة لذكرياتي عند قوم من القراء، كما كان عيباً عند آخرين يأخذونه عليّ، كما يأخذون عليّ أني أشرع في موضوع ثم أنتقل عنه إلى غيره قبل أن أحيط بخبره، ثم أعود إليه.
وهذه سنّة الحياة. والذين يكتبون القصص التي يدعونها