أنا موظف، وموظف من ثلاث وخمسين سنة (صرت موظفاً في الحكومة سنة ١٩٣١). وصلت إلى آخر مدى في طريق الوظيفة ثم أُحِلْت على التقاعد (المعاش)، ولكني ما أحسست يوماً أني موظف كأكثر الموظفين، ولا أَلِفْتُ الخلائق والعادات التي يتخلّقون بها، ولا شعرت يوماً بأني أقلّ من رئيسي في العمل، بل من رئيس رئيسي، بل من الوزير الذي هو مرجعه ومرجعي.
ولعلّ في هذا الكلام شيئاً من الغرور أو الادّعاء، أو لعلّه كان من حماسة الشباب واندفاعهم، ولكنه هو الواقع. لم أكُن أستشعر الضعف أمام الرؤساء، ولكن إذا جاء القانون أطعت القانون كما يجب عليه أن يطيعه من هو فوقي، فإن خالف القانونَ هاجمتُه ولم أُطِعه. وقد قدّمت لكم ذِكْر ما كان بيني وأنا معلم الابتدائي وبين المستشار الذي كان أكبر من الوزير، وكيف وقفت في وجهه ولم أتنازل عن الحقّ الذي كنت أشعر أنه معي، وكان لصِدامي معه أصداء في دمشق. وهذه الأصداء لم تقتصر على