«كل من تلقاه يشكو دهره»، هكذا قال الشاعر الذي نسيت اسمه. ولكن الذي تبيّن لي أيام العيد أن في الجملة خطأ مطبعياً، هو أن هذه الواو محرّفة عن الراء؛ فما قابلت أحداً من الحُجّاج إلاّ وجدته يشكر ولا يشكو، يثني على سهولة الوصول وأن الطرق سالكة وأن السيارات تنساب فيها كالماء في الجدول، فلا زحام ولا صدام ولا اختناق ولا وقوف. مشت السيارات من عرفات إلى مزدلفة كما تمشي سائر أيام السنة، فالسير منظّم والشرطة ساهرة ناظرة لا تجعل للسان مكاناً للشكوى، والماء البارد المثلّج ميسور موفور في كل مكان بالمجّان، هدية من الملك إلى حُجّاج بيت الله الحرام، وأن الحمّامات والمراحيض النظيفة في كل موضع تسدّ الحاجة وتضمن النظافة.
وما كنت أريد أن أقطع سلسلة ذكرياتي لأتكلّم عن الحجّ، ولكن ما سمعته ذكّرني بضدّه (وكذلك يكون تداعي الأفكار)، ذكّرني بحِجّتنا أول سنة أقمت فيها في مكّة هذه الإقامة الأخيرة، سنة ١٣٨٤هـ. ولم تكن حِجّتي الأولى في عمري، ولكنها الأولى