حلقة اليوم عودة إلى الشام. وهل فارقتها حتى أعود إليها؟ إن ذكرياتها في قلبي ومشاهدها ماثلة أمام عيني، وفي كل نَفَس من أنفاسي عبَق من أريج الغوطة ونفحة من عبير دمشق. فلا تلوموني إن كرّرت الحديث عنها، فمن أحبّ شيئاً أكثر من ذكره، ولو أكرهتُ النفسَ على نسيانها لما طاوعتني نفسي، ولئن نأيت بالجسد عنها فإن روحي فيها:
أريدُ لأنسى ذكرَها فكأنما ... تَمَثّلُ لي ليلَى بكلِّ سَبيلِ
وما أبغي من دمشق منازلَها ودورها ولا بساتينها وقصورها، ما أحنّ إلى التراب ولكن إلى مَن تحت التراب مِن الأحباب والأصحاب. فدمشق التي أعود إلى ذكرها هي دمشق أمي التي جئت أستأذنكم أن أكمل الحديث عنها، فلا تملّوه (أرجوكم) ولا تستثقلوه، فمن جرّب منكم فقد الأم أو البنت (ولا قدّر عليكم أن تجرّبوه) عرف أن الحديث عنه فيه شيء من تنفيس الكرب وتسلية القلب.