لا أزال في الحديث عن أيامي في الرياض، وإني لأعجب من نفسي: لقد كان لي يومَ ذهبتُ إلى الرياض زوج ولي بنات، فلماذا تركتهن في دمشق وقدمت الرياض وحدي؟ إني لأفكر فلا أجد لذلك إلاّ سببين: الأول أني أردت أن أجنّبهن مشقّة الغربة وآثرت أن أحتملها وحدي، والثانية أنني قضيت شطر عمري منفرداً؛ كنت في صغري لا أجد أحداً ألعب معه لأنني كبير إخوتي فليس فيهم من هو في مثل سنّي، ولم تكن لي ولا لأحد من إخوتي رفقة من أبناء الجيران، وما كنت ألعب في الزّقاق (ولم أقُل في الشارع لأنه لم يكن في دمشق شارع!) ولا كان لي من رفاق المدرسة من تُجاوز صلتي به بابَ المدرسة، فكنت إذا خرجت منها مشيت وحدي إلى الدار.
ولمّا كبرت وغامرت في الحياة العامة، وجريت مع من جرى في ميدان السياسة وعملت مع من عمل في الأدب وفي الصحافة، كنت مع الناس من غير أن أداخلهم، حتى حين كنت أعلو المنابر وأخطب في الجماهير تلك الخطب التي كانت تشتعل اشتعالاً وتشعل الحماسة في صدور سامعيها، كنت وحيداً قبل