للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطبة وكنت أعود وحيداً بعدها. وحين احترفت الصحافة لم تجاوز صلتي بأهلها حدودَ المهنة، فلا أحضر مجالسهم ولا أدخل مداخلهم.

ثم صرت معلّماً أولياً في قرى دمشق، فكنت أنام في القرية أحياناً: في سَقْبا في الغوطة الشرقية أولاً، ثم في زاكية من أعمال قَطَنا على ذيل جبل الشيخ، ثم في بغداد مدرّساً فيها، وفي البصرة في جنوبي العراق وفي كركوك في شماليه، وفي بيروت في الكلية الشرعية التي صارت تُدعى الآن أزهر لبنان. وبعد إعلان الحرب الثانية ذهبت مدرّساً إلى دير الزور سنة ١٩٤٠، ثم جئت الرياض.

وظننت أني ألِفت الوحدة بعدما صحبتها هذه السنوات الطوال وأنها سَهُلت عليّ وصارت كالطبع لي، ولم أدرِ أن ما قاسيت منها من قبل ملأ الكأس حتى قالت قَطْني، وأنه لم يبقَ إلاّ قطرة واحدة لكي تفيض، فجاءت أيامي في الرياض القطرةَ التي فاضت منها الكأس وكانت القشّةَ التي زعموا أنها قصمت ظهر البعير؛ فثقُلَت عليّ الوَحدة فيها حتى كلّت نفسي عن حملها، وما كنت أشكوه من قبلُ وجدتُه صار الآن هيّناً بجنب ما شكوته من الوحدة فيها.

وكانت أمامي وأنا أكتب هذه الحلقة مجموعة كاملة جديدة من مجلة «الرسالة» تفضّل معالي الصديق النبيل الشيخ إبراهيم العنقري فأهداها إليّ، وهممت على عادتي بالاعتذار عن قَبولها، ثم تصوّرت متعة نفسي بها وعظم أثرها فيها فأخذتها شاكراً فضل

<<  <  ج: ص:  >  >>