خبّروني، هل تحفظون من أخبار أساتذتكم مثل الذي أحفظ من أخبار أساتذتي هؤلاء الذين أحدّثكم حديثهم؟ هل يبقى من ذكرياتهم في نفوسكم بعد ثلاثين سنة من ابتعادكم عنهم كالذي بقي في نفسي من ذكريات أساتذتي التي أكتب اليوم عنها بعد ستين سنة من تاريخها؟ وإن هي بقيت في نفوسكم وحدّثتم بها، فهل تحملون لهم من الحب كالذي أحمل لأساتذتي؟
إني أحبهم، وإلا فلماذا أثني عليهم وأمدحهم؟ الشعراء كانوا يمدحون الملوك والأمراء وهم أحياء أملاً بالمكافأة والعطاء، فهل أطمع بعطيّة من أناس مضوا إلى رحمة ربهم؟
وما أنا بالشاعر وما صناعتي نسج التهاويل؛ ما أنا إلا مصوّر يتأبط آلته يطوف بها، يصّور مشاهد الحياة ومشاعر النفس، مصوّر (فوتوغرافي) مسكين ينقل صوره نقلاً، ولست المصّور المبدع الفنّان الذي يحمّل لوحاته ما لم يكُن ولا يكون. أنا إنسان يدبّ على أرض الواقع، على حين يضرب الشعراء أمواج الجوّ بأجنحة النسور.