أنا أغبط من يدّون ذكرياته فيجد أمامه مذكّرات له كتبها في حينها، تذكّره بما نسي وتعيد إليه ما عزب عنه، وأسائل نفسي (حين لا ينفع السؤال): لماذا لم أكتب أنا مذكّراتي؟ لماذا لم أحفظ مراسلاتي؟ لماذا أقعد لأكتب الحلقة فلا أجد ما أرجع إليه وأعتمد عليه إلاّ ذاكرة كانت كالقلّة التي تركتُها ممتلئة بالماء فعدت فلم أجد إلاّ صبابة في قعر الإناء، قد ذهبَت بمائها الشمس والريح فتبخّرَت كما تبخّرَت من رأسي الذكريات.
ولو كان معي هنا أحد من رفاق الصبا أو من أصحاب الشباب ممّن سايرني في بعض طريق الحياة، أقول له ويقوله لي، أذكّره بما كان ويذكّرني، لأعانني على ما أنا فيه؛ لأن المَشاهد والأخبار يجرّ بعضها بعضاً، وما تسمعه يذكّرك بشبيهه أو بنقيضه أو بما يتصل به. وهذا هو «تداعي المعاني». ولكني كالذي يغنّي في الوادي المقفر فلا يجد رَجْعاً لغنائه إلاّ صداه!
على أني أشكر «الشرق الأوسط» ومن قبلها «المسلمون»؛ فلولاهما (ولولا «المسلمون» خاصّة) لما قرأتم شيئاً من هذه